الموضوع: هل الرياضيات في أصلها الأول صادرة عن العقل بالضرورة ؟ أليس للتجربة تأثير في وجودها ؟
طريقة المعالجة:الطريقة الجدلية.
تحرير المقالة
I-المقدمة (طرح المشكلة)
الرياضيات هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس،والمقدار القابل للقياس يسمى كما،ولقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين:نزعة عقلية يرى روادها أن المفاهيم الرياضية نابعة عن ملكة العقل، ونزعة حسية تجريبية يرى أنصارها أن المفاهيم الرياضية مأخوذة من الواقع الحسي،فـــأي الرأيين أقرب إلى الصواب ؟وهل الرياضيات مفاهيم عقلية؟ أم أنها تعود إلى معطيات حسية ؟
II-التوسعمحاولة حل المشكلة)
*الأطروحة: (المفاهيم الرياضية نابعة عن العقل.)
تحليل الأطروحة: يرى العقلانيون أن الرياضيات وليدة العقل، فهي عبارة عن مبادئ و أفكار سابقة عن التجربة الحسية،فهي جملة من المفاهيم المجردة أنشأها الذهن و استنبطها من مبادئه،ولا تدل أنها نشأت عن طريق الملاحظة الحسية.
البرهنة:
1-يؤكد المثاليون أنه بإمكان الإنسان الوصول إلى معرفة جوهرية بواسطة الاستدلال العقلي الخالص دون اللجوء إلى مقدمات تجريبية،فالعقل بطبيعته يتوفر على مبادئ و أفكار سابقة عن التجربة الحسي،وتتمتع بالبداهة و الوضوح،وكل ما يصدر عن العقل من أحكام و قضايا و مفاهيم هي مطلقة و ثابتة،فالفلسفة اليونانية على لسان أفلاطون ترى أن الإنسان كان يحيا في عالم المثل،وكان على علم بسائر الحقائق و المعارف ،ومنها المفاهيم الرياضية التي هي أزلية و ثابتة كالمستقيم ،والدائرة ،والتعريف الرياضي،لكن عند مفارقته لهذا العالم كان عليه أن يتذكرها ويدركها بالذهن وحده.يقول أفلاطون:"المعرفة تذكر."
2-روينه ديكارت:الرياضيات نابعة عن أفكار فطرية شأنها شأن فكرة الله،وهذا معناه أن الرياضيات نشأت بفعل العقل،فهي بعيدة عن المجال المحسوس،يقول:"العقل هو أعدل قسمة بين الناس." و ما نفهمه من هذا القول أن الناس جميعا يشتركون في هذه الملكة الفطرية التي تنشئ المعارف و تصل إليها ،ومن ضمن هذه المعارف المفاهيم الرياضية.
3-ترى الفلسفة الألمانية على لسان إيمانويل كانط(1724-1804)أن المكان و الزمان مفهومان عقليان مجردان،وهما فكرتان قبليتان أوليتان قائمتان في الذهن،و مادامت الهندسة مرتبطة بالمكان،والجبر مرتبط بالزمان فالمفاهيم الرياضية إذن مستقرها في العقل.
استنتاج جزئي:إذن المفاهيم الرياضية منبعها العقل.
نقد:الإنسان في بداية حياته يتعامل فقط مع ما هو محسوس،فالإدراك العقلي نفسه مكتسب من التجربة الحسية،فليس هناك أفكار مجردة مستقرة في العقل، و بالتالي فإن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة عن التجربة الحسية، فالطفل يتعامل مع المحسوسات لينتقل إلى المجردات،فيدرك العدد انطلاقا من تجارب حسية،كما أن التاريخ يثبت أن الشعوب البدائية استعملت الحواس للعد و الحساب.
نقيض الأطروحة: المفاهيم الرياضية نابعة من الواقع الحسي.
تحليل الأطروحة:يرى التجريبيون أن كل معارفنا مأخوذة من الواقع الحسي،فالعقل لديهم صفحة بيضاء أو عبارة عن وعاء فارغ يملأ بالمعارف التي نأخذها من الواقع الحسي.
البرهنة:
1-الأشكال الهندسية الرياضية هي مجرد محاكاة للواقع الحسي،فالخطوط المستقيمة تجسدها قطرات نزول الماء المتوصل،والدوائر تشكلها سقوط القطرات على سطح ما،أو قد يشكلها القمر و الشمس أو حدقة العين،وليس من المستبعد أن تكون كثرة الأشياء الموجودة في الطبيعة هي التي أوحت بالعدد،ونجد الفيلسوف الانجليزي -جون ستوارت مل-يقول في هذا الشأن:"النقاط و الخطوط و الدوائر التي يحملها كل إنسان في ذهنه ما هي إلا النقاط و الخطوط و الدوائر التي تعرف عليها في الواقع."و يقول بوانكاري:"لولا وجود الأجسام الطبيعية لما وجد علم الهندسة."
2-يثبت لنا تاريخ العلوم أن علم الرياضيات نشأ بصورة عملية و تجريبية ،والاشتقاق اللغوي لعبارة الإحصاء المأخوذة من الحصى يدل على أن الإنسان كان يستعمل الحصى أو أشياء أخرى من هذا القبيل،كما ينطبق هذا على اللغة الفرنسية:calculالتي تدل أيضا على معنى الحجارة،
3- التاريخ يثبت أنه كان لليد تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس :"اليد أداة الحساب." ولذلك يلاحظ أثر العد الأصبعي في تكوين نضام العد(النظام الخمسي)الذي يتجلى في أصبع اليد وفي نظام العد الرومانيI II III IV V VI VII VIII IX Xفالأربعة تكتب خمسة يسبقها واحد،والستة تكتب خمسة بعدها واحد.
4-يطلعنا تاريخ العلم أن علم الهندسة النظري عند اليونان إنما نشأ من عملية مسح الأراضي الزراعية،ونجد قدماء المصريين أشأوا الهندسة من أجل تقدير مساحات الحقول بعد انقطاع مياه النيل وانسحابها منه،فكانوا يرسمون الأشكال الهندسية لأراضيهم من أجل أن يتفادوا كل نزاع أو شبهة،وكانوا يعملون استنادا على مربعات يدركون مساحتها.
استنتاج جزئي:إذن المفاهيم الرياضية منبعها الواقع الحسي.
نقد: لا يمكن أن ننكر أن الوقائع المحسوسة هي منطلقات لإنشاء تصورات عقلية،لكن المفاهيم الرياضية أغلبها مجرد،فالدائرة مثلا لا ترضى أن تكون من ضوء ولا من تموجات مائية و لا من لحم،إنها دائرة مجردة ثابتة تستقر بالعقل.
التركيب: كتوفيق بين الطرحين يمكن القول أن العقل و التجربة مرتبطان و متلازمان فلا وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية في غياب العالم الخارجي و لا وجود للأشياء المحسوسة في غياب العقل و الوعي ،و الحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشا دفعة واحدة، و التجريد أوجدته عوامل مأخوذة من الواقع الحسي.
الخاتمة: وخلاصة القول نصل إلى حقيقة مفادها أن الرياضيات هي مزيج بين المفاهيم العقلية الخالصة و الواقع الحسي، ولكن حتى نتوخى الموضوعية نقول أن الرياضيات تنزع إلى التجريد أكثر، ولعل هذا ما جعلها دقيقة و صارمة وكل العلوم في حاجة إليها حتى قال أحد العلماء:" إن اللغة الوحيدة التي يجب أن يتكلمها العالم هي الرياضيات."
طريقة المعالجة:الطريقة الجدلية.
تحرير المقالة
I-المقدمة (طرح المشكلة)
الرياضيات هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس،والمقدار القابل للقياس يسمى كما،ولقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين:نزعة عقلية يرى روادها أن المفاهيم الرياضية نابعة عن ملكة العقل، ونزعة حسية تجريبية يرى أنصارها أن المفاهيم الرياضية مأخوذة من الواقع الحسي،فـــأي الرأيين أقرب إلى الصواب ؟وهل الرياضيات مفاهيم عقلية؟ أم أنها تعود إلى معطيات حسية ؟
II-التوسعمحاولة حل المشكلة)
*الأطروحة: (المفاهيم الرياضية نابعة عن العقل.)
تحليل الأطروحة: يرى العقلانيون أن الرياضيات وليدة العقل، فهي عبارة عن مبادئ و أفكار سابقة عن التجربة الحسية،فهي جملة من المفاهيم المجردة أنشأها الذهن و استنبطها من مبادئه،ولا تدل أنها نشأت عن طريق الملاحظة الحسية.
البرهنة:
1-يؤكد المثاليون أنه بإمكان الإنسان الوصول إلى معرفة جوهرية بواسطة الاستدلال العقلي الخالص دون اللجوء إلى مقدمات تجريبية،فالعقل بطبيعته يتوفر على مبادئ و أفكار سابقة عن التجربة الحسي،وتتمتع بالبداهة و الوضوح،وكل ما يصدر عن العقل من أحكام و قضايا و مفاهيم هي مطلقة و ثابتة،فالفلسفة اليونانية على لسان أفلاطون ترى أن الإنسان كان يحيا في عالم المثل،وكان على علم بسائر الحقائق و المعارف ،ومنها المفاهيم الرياضية التي هي أزلية و ثابتة كالمستقيم ،والدائرة ،والتعريف الرياضي،لكن عند مفارقته لهذا العالم كان عليه أن يتذكرها ويدركها بالذهن وحده.يقول أفلاطون:"المعرفة تذكر."
2-روينه ديكارت:الرياضيات نابعة عن أفكار فطرية شأنها شأن فكرة الله،وهذا معناه أن الرياضيات نشأت بفعل العقل،فهي بعيدة عن المجال المحسوس،يقول:"العقل هو أعدل قسمة بين الناس." و ما نفهمه من هذا القول أن الناس جميعا يشتركون في هذه الملكة الفطرية التي تنشئ المعارف و تصل إليها ،ومن ضمن هذه المعارف المفاهيم الرياضية.
3-ترى الفلسفة الألمانية على لسان إيمانويل كانط(1724-1804)أن المكان و الزمان مفهومان عقليان مجردان،وهما فكرتان قبليتان أوليتان قائمتان في الذهن،و مادامت الهندسة مرتبطة بالمكان،والجبر مرتبط بالزمان فالمفاهيم الرياضية إذن مستقرها في العقل.
استنتاج جزئي:إذن المفاهيم الرياضية منبعها العقل.
نقد:الإنسان في بداية حياته يتعامل فقط مع ما هو محسوس،فالإدراك العقلي نفسه مكتسب من التجربة الحسية،فليس هناك أفكار مجردة مستقرة في العقل، و بالتالي فإن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة عن التجربة الحسية، فالطفل يتعامل مع المحسوسات لينتقل إلى المجردات،فيدرك العدد انطلاقا من تجارب حسية،كما أن التاريخ يثبت أن الشعوب البدائية استعملت الحواس للعد و الحساب.
نقيض الأطروحة: المفاهيم الرياضية نابعة من الواقع الحسي.
تحليل الأطروحة:يرى التجريبيون أن كل معارفنا مأخوذة من الواقع الحسي،فالعقل لديهم صفحة بيضاء أو عبارة عن وعاء فارغ يملأ بالمعارف التي نأخذها من الواقع الحسي.
البرهنة:
1-الأشكال الهندسية الرياضية هي مجرد محاكاة للواقع الحسي،فالخطوط المستقيمة تجسدها قطرات نزول الماء المتوصل،والدوائر تشكلها سقوط القطرات على سطح ما،أو قد يشكلها القمر و الشمس أو حدقة العين،وليس من المستبعد أن تكون كثرة الأشياء الموجودة في الطبيعة هي التي أوحت بالعدد،ونجد الفيلسوف الانجليزي -جون ستوارت مل-يقول في هذا الشأن:"النقاط و الخطوط و الدوائر التي يحملها كل إنسان في ذهنه ما هي إلا النقاط و الخطوط و الدوائر التي تعرف عليها في الواقع."و يقول بوانكاري:"لولا وجود الأجسام الطبيعية لما وجد علم الهندسة."
2-يثبت لنا تاريخ العلوم أن علم الرياضيات نشأ بصورة عملية و تجريبية ،والاشتقاق اللغوي لعبارة الإحصاء المأخوذة من الحصى يدل على أن الإنسان كان يستعمل الحصى أو أشياء أخرى من هذا القبيل،كما ينطبق هذا على اللغة الفرنسية:calculالتي تدل أيضا على معنى الحجارة،
3- التاريخ يثبت أنه كان لليد تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس :"اليد أداة الحساب." ولذلك يلاحظ أثر العد الأصبعي في تكوين نضام العد(النظام الخمسي)الذي يتجلى في أصبع اليد وفي نظام العد الرومانيI II III IV V VI VII VIII IX Xفالأربعة تكتب خمسة يسبقها واحد،والستة تكتب خمسة بعدها واحد.
4-يطلعنا تاريخ العلم أن علم الهندسة النظري عند اليونان إنما نشأ من عملية مسح الأراضي الزراعية،ونجد قدماء المصريين أشأوا الهندسة من أجل تقدير مساحات الحقول بعد انقطاع مياه النيل وانسحابها منه،فكانوا يرسمون الأشكال الهندسية لأراضيهم من أجل أن يتفادوا كل نزاع أو شبهة،وكانوا يعملون استنادا على مربعات يدركون مساحتها.
استنتاج جزئي:إذن المفاهيم الرياضية منبعها الواقع الحسي.
نقد: لا يمكن أن ننكر أن الوقائع المحسوسة هي منطلقات لإنشاء تصورات عقلية،لكن المفاهيم الرياضية أغلبها مجرد،فالدائرة مثلا لا ترضى أن تكون من ضوء ولا من تموجات مائية و لا من لحم،إنها دائرة مجردة ثابتة تستقر بالعقل.
التركيب: كتوفيق بين الطرحين يمكن القول أن العقل و التجربة مرتبطان و متلازمان فلا وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية في غياب العالم الخارجي و لا وجود للأشياء المحسوسة في غياب العقل و الوعي ،و الحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشا دفعة واحدة، و التجريد أوجدته عوامل مأخوذة من الواقع الحسي.
الخاتمة: وخلاصة القول نصل إلى حقيقة مفادها أن الرياضيات هي مزيج بين المفاهيم العقلية الخالصة و الواقع الحسي، ولكن حتى نتوخى الموضوعية نقول أن الرياضيات تنزع إلى التجريد أكثر، ولعل هذا ما جعلها دقيقة و صارمة وكل العلوم في حاجة إليها حتى قال أحد العلماء:" إن اللغة الوحيدة التي يجب أن يتكلمها العالم هي الرياضيات."