الموضوع الثاني:
هل تعتقد أن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور؟
تحرير المقالة:
المقدمة:
علم النفس هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة خبايا النفس الإنسانية وما ينطوي عنها من سلوكات ، باعتبار أن سلوكاتنا ما هي إلا انعكاسا لحياتنا الداخلية، وهو كما قيل علم الخبرة النفسية والسلوك الظاهر، ولقد أفرزت الدراسات النفسية عدة مدارس كالمدرسة الشعورية ، والسلوكية، والجيشتالتية ، ومدرسة التحليل النفسي التي طرحت فكرة بديلة تتجسد في مفهوم اللاشعور ، وهذا ما أثار صراعا فكريا بين مدارس علم النفس إذ ذهب البعض إلى إنكاره بدليل أن أساس النفس هو الشعور في حين يثبت البعض الآخر أن اللاشعور هو حقيقة علمية وعلى هذا الأساس هل يمثل الشعور أساس الحياة النفسية ؟ أم أن حياتنا تستند إلى اللاشعور ؟
العرض:
القضية(الحياة النفسية قائمة على الشعور):
يعتقد بعض علماء النفس أن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور ، بمعنى أن الإنسان يشعر بكل ما يوجد على مستوى النفس ، فالشعور هو معرفة حدسية واعية يطلع الإنسان من خلالها على أحواله النفسية من رغبات وعواطف وأهواء ، وهذا ما دفع برونيه ديكارت إلى القول :"أنا أفكر إذن أنا موجود" بمعنى أن الإنسان لا ينقطع عن التفكير والشعور مادام حيا ، ولا ينقطع شعوره إلا بانقطاع صاحبه ، وبما أن الشعور حدس ، والحدس هو معرفة مباشرة ، فإن الشعور ينقل للفكر كل ما تعيشه النفس ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن سينا حين قال :"إن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا" ، ويقول هوسلر :"إن كل شيء يقع في مجال الحدس" بمعنى أن الحالة الراهنة ما هي إلا امتداد للحالة السابقة ويقول أيضا:"إن كل شيء يقع في مجال الحدس يكون بالضرورة أصيلا وقصديا بما في ذلك السلوك البشري " ، ويقول ستيكال مدعما هذا الطرح :"لا أؤمن باللاشعور ، فالرغبات المكبوتة إنما هي تحت شعورية " ولعل هذا ما يبرر قول سارتر :"أنا أشعر إذن أنا موجود" ، ومن الناحية المنطقية لا يمكن أن نتصور عقلا لا يعقل ونفسا لا تشعر ، فهذا عبارة عن جمع بين نقيضين ، وهذا مناف لمبادئ العقل.
إذن أساس الحياة النفسية هو الشعور.
نقد:
صحيح أن الإنسان يعي دوافع سلوكه لكن قد تصدر عن الإنسان أحيانا تصرفات دون إرادته ودون وعي منه ، وهذا ما يثبت أن هناك جانب خفي في الحياة النفسية الإنسانية، ويستعصي على الإنسان أن يعي هذا الجانب دائما رغم أنه يؤثر في سلوكه.
نقيض القضية: اللاشعور أساس الحياة النفسية :
يرتبط مفهوم اللاشعور باسم العالم النمساوي سيغموند فرويد (1856-1939) إلا أن فكرة اللاشعور تعود إلى القرن 17 قد رأى ليبتنز أنه في كل لحظة تفلت من قبضة تأملنا إدراكات لا حصر لها، مؤكدا على وجود أفكار تخفى على الشعور، كما أكد برنهايم ، وشاركو على أن مرض الهيستيريا(اضطرابات عصبية) يعود إلى أسباب نفسية بعد أن فشل العلاج العضوي لها، وحاولا معالجة مرضاهم عن طريق التنويم المغناطيسي، وأمام قصور نتائج العلاج بالتنويم المغناطيسي مع بروير اهتدى فرويد إلى التحليل النفسي الذي يقوم على التداعي الحر والذي يتم بطريقة الحديث العفوي مع الطبيب، حيث يكون المريض في وضع استرخائي جالسا على أريكة يعبر عن كل همومه الباطنية التي يحس بها دون خوف أو خجل مهما كانت قيمة هذه الأفكار والعواطف، المهم أن يعبر بكل حرية، وعندما يتوقف المريض عن الحديث العفوي يلجأ الطبيب إلى طريقة الاستجواب، وتسجل الأسماء التي يرددها، ثم تدس داخل هذه القائمة كلمات علها تثير الشخص عند سماعها، وانطلاقا من هذه الكلمة التي تسمى مفتاح اللاشعور يشرع المحلل في استجواب المريض بعد أن يتعرف على رغبته المكبوتة فيبرزها لمريضه وتنحل عقدتها، فـسيغموند فرويد يؤكد أن مرض الهيستيريا ناشئ عن إخفاء بعض الأحداث والذكريات التي تترسب في ساحة اللاشعور، ثم تتدفق أثناء جلسات التداعي الحر، إذن اللاشعور عند فرويد هو تلك الحوادث الباطنية المؤثرة في سلوك الإنسان، ويؤكد فرضيته من خلال: فلتات اللسان وزلات القلم: نحن نحلل هذه الهفوات بالتعب، وشرود الذهن، إلا أن فرويد يؤكد أن أسبابها لاشعورية ومن الأمثلة التي يوردها في ذلك عبارة رئيس البرلمان النمساوي التي يفتتح بها الجلسات، فبدل أن يقول ذات مرة : افتتحت الجلسة قال: انتهت الجلسة، ففضح بذلك عدم اهتمامه بالجلسة.، أما النسيان فهو طريقة لاشعورية تعبر بها عن عدم اهتمامنا ببعض الأمور، فحين ننسى بعض الأسماء فهذا دليل على أننا لا نرغب في التعرف على أصحابها ولا يهمنا أمرهم ، أما الأحلام في نظر فرويد هي أحسن دليل على اللاشعور ، ففي الحلم يغيب الوعي تماما ليترك المجال للرغبات المكبوتة كي تنفذ في غياب الشعور كالطفل الذي حرم من لباس العيد فرأى نفسه في المنام داخل متجر عصري ويشتري أحلى الملابس ، حيث قال فرويد في هذا المجال:"إن الحلم تحقيق رغبة" ، ونجد كذلك عملية الاسقاط تصدر عن الإنسان دون وعي منه، وهي عبارة عن تفسير أعمال الغير حسب ما يجري في ذاتنا، فالبخيل يرى جميع الناس بخلاء ، والكاذب يتهم جميع الناس بالكذب.
إذن أساس الحياة النفسية هو اللاشعور.
نقد:
رغم ما قيل في اللاشعور إلا أن هناك من قال أنه مجرد افتراض ، وفرويد بالغ كثيرا حينما قال أن محرك حياتنا اللاشعورية هو تلك الرغبات المكبوتة الخاضعة لسلطة غريزة الجنس (اللبيدو)، فلا ننكر أن هذه الغريزة هي من أقوى الغرائز في الإنسان ، لكن الإنسان ليس عبد لنزواته ورغباته ، بل يمتلك وعيا وإرادة وقيما أخلاقية توجه سلوكه .
التركيب:
وتوفيق بين الطرحين يمكن أن نثبت حقيقة مفادها أن الحياة النفسية الإنسانية تبنى على أساسين ، ولعل هذا ما دفع بأحد علماء النفس إلى القول :"إن الحياة النفسية قسمان قسم شعوري واعي يدعى العقل (الشعور) وقسم باطن خفي يدعى باللاشعور".
الخاتمة:
ومجمل القول يمكن أن نعتبر أن وجود الشعور واللاشعور في حياتنا النفسية ليس ضربا من ضروب التناقض ، وإنما هو دليل تكامل، فكل منهما يكمل الآخر، ومع هذا يبقى مجال النفس الإنسانية مجالا خصبا للدراسات ، والأفكار الجديدة ، وقد يثبت لنا المستقبل كشوفات أخرى تستطلع لنا خبايا الحياة النفسية قصد خدمة الإنسان عن طريق السعي لمعالجة مختلف الأمراض النفسية التي تعصف باستقرار الإنسان بغية بناء إنسان بطريقة سوية باعتبار أن الإنسان هو جوهر الحضارة وحينما نبني إنسان فنحن نقيم حضارة راقية.
هل تعتقد أن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور؟
تحرير المقالة:
المقدمة:
علم النفس هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة خبايا النفس الإنسانية وما ينطوي عنها من سلوكات ، باعتبار أن سلوكاتنا ما هي إلا انعكاسا لحياتنا الداخلية، وهو كما قيل علم الخبرة النفسية والسلوك الظاهر، ولقد أفرزت الدراسات النفسية عدة مدارس كالمدرسة الشعورية ، والسلوكية، والجيشتالتية ، ومدرسة التحليل النفسي التي طرحت فكرة بديلة تتجسد في مفهوم اللاشعور ، وهذا ما أثار صراعا فكريا بين مدارس علم النفس إذ ذهب البعض إلى إنكاره بدليل أن أساس النفس هو الشعور في حين يثبت البعض الآخر أن اللاشعور هو حقيقة علمية وعلى هذا الأساس هل يمثل الشعور أساس الحياة النفسية ؟ أم أن حياتنا تستند إلى اللاشعور ؟
العرض:
القضية(الحياة النفسية قائمة على الشعور):
يعتقد بعض علماء النفس أن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور ، بمعنى أن الإنسان يشعر بكل ما يوجد على مستوى النفس ، فالشعور هو معرفة حدسية واعية يطلع الإنسان من خلالها على أحواله النفسية من رغبات وعواطف وأهواء ، وهذا ما دفع برونيه ديكارت إلى القول :"أنا أفكر إذن أنا موجود" بمعنى أن الإنسان لا ينقطع عن التفكير والشعور مادام حيا ، ولا ينقطع شعوره إلا بانقطاع صاحبه ، وبما أن الشعور حدس ، والحدس هو معرفة مباشرة ، فإن الشعور ينقل للفكر كل ما تعيشه النفس ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن سينا حين قال :"إن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا" ، ويقول هوسلر :"إن كل شيء يقع في مجال الحدس" بمعنى أن الحالة الراهنة ما هي إلا امتداد للحالة السابقة ويقول أيضا:"إن كل شيء يقع في مجال الحدس يكون بالضرورة أصيلا وقصديا بما في ذلك السلوك البشري " ، ويقول ستيكال مدعما هذا الطرح :"لا أؤمن باللاشعور ، فالرغبات المكبوتة إنما هي تحت شعورية " ولعل هذا ما يبرر قول سارتر :"أنا أشعر إذن أنا موجود" ، ومن الناحية المنطقية لا يمكن أن نتصور عقلا لا يعقل ونفسا لا تشعر ، فهذا عبارة عن جمع بين نقيضين ، وهذا مناف لمبادئ العقل.
إذن أساس الحياة النفسية هو الشعور.
نقد:
صحيح أن الإنسان يعي دوافع سلوكه لكن قد تصدر عن الإنسان أحيانا تصرفات دون إرادته ودون وعي منه ، وهذا ما يثبت أن هناك جانب خفي في الحياة النفسية الإنسانية، ويستعصي على الإنسان أن يعي هذا الجانب دائما رغم أنه يؤثر في سلوكه.
نقيض القضية: اللاشعور أساس الحياة النفسية :
يرتبط مفهوم اللاشعور باسم العالم النمساوي سيغموند فرويد (1856-1939) إلا أن فكرة اللاشعور تعود إلى القرن 17 قد رأى ليبتنز أنه في كل لحظة تفلت من قبضة تأملنا إدراكات لا حصر لها، مؤكدا على وجود أفكار تخفى على الشعور، كما أكد برنهايم ، وشاركو على أن مرض الهيستيريا(اضطرابات عصبية) يعود إلى أسباب نفسية بعد أن فشل العلاج العضوي لها، وحاولا معالجة مرضاهم عن طريق التنويم المغناطيسي، وأمام قصور نتائج العلاج بالتنويم المغناطيسي مع بروير اهتدى فرويد إلى التحليل النفسي الذي يقوم على التداعي الحر والذي يتم بطريقة الحديث العفوي مع الطبيب، حيث يكون المريض في وضع استرخائي جالسا على أريكة يعبر عن كل همومه الباطنية التي يحس بها دون خوف أو خجل مهما كانت قيمة هذه الأفكار والعواطف، المهم أن يعبر بكل حرية، وعندما يتوقف المريض عن الحديث العفوي يلجأ الطبيب إلى طريقة الاستجواب، وتسجل الأسماء التي يرددها، ثم تدس داخل هذه القائمة كلمات علها تثير الشخص عند سماعها، وانطلاقا من هذه الكلمة التي تسمى مفتاح اللاشعور يشرع المحلل في استجواب المريض بعد أن يتعرف على رغبته المكبوتة فيبرزها لمريضه وتنحل عقدتها، فـسيغموند فرويد يؤكد أن مرض الهيستيريا ناشئ عن إخفاء بعض الأحداث والذكريات التي تترسب في ساحة اللاشعور، ثم تتدفق أثناء جلسات التداعي الحر، إذن اللاشعور عند فرويد هو تلك الحوادث الباطنية المؤثرة في سلوك الإنسان، ويؤكد فرضيته من خلال: فلتات اللسان وزلات القلم: نحن نحلل هذه الهفوات بالتعب، وشرود الذهن، إلا أن فرويد يؤكد أن أسبابها لاشعورية ومن الأمثلة التي يوردها في ذلك عبارة رئيس البرلمان النمساوي التي يفتتح بها الجلسات، فبدل أن يقول ذات مرة : افتتحت الجلسة قال: انتهت الجلسة، ففضح بذلك عدم اهتمامه بالجلسة.، أما النسيان فهو طريقة لاشعورية تعبر بها عن عدم اهتمامنا ببعض الأمور، فحين ننسى بعض الأسماء فهذا دليل على أننا لا نرغب في التعرف على أصحابها ولا يهمنا أمرهم ، أما الأحلام في نظر فرويد هي أحسن دليل على اللاشعور ، ففي الحلم يغيب الوعي تماما ليترك المجال للرغبات المكبوتة كي تنفذ في غياب الشعور كالطفل الذي حرم من لباس العيد فرأى نفسه في المنام داخل متجر عصري ويشتري أحلى الملابس ، حيث قال فرويد في هذا المجال:"إن الحلم تحقيق رغبة" ، ونجد كذلك عملية الاسقاط تصدر عن الإنسان دون وعي منه، وهي عبارة عن تفسير أعمال الغير حسب ما يجري في ذاتنا، فالبخيل يرى جميع الناس بخلاء ، والكاذب يتهم جميع الناس بالكذب.
إذن أساس الحياة النفسية هو اللاشعور.
نقد:
رغم ما قيل في اللاشعور إلا أن هناك من قال أنه مجرد افتراض ، وفرويد بالغ كثيرا حينما قال أن محرك حياتنا اللاشعورية هو تلك الرغبات المكبوتة الخاضعة لسلطة غريزة الجنس (اللبيدو)، فلا ننكر أن هذه الغريزة هي من أقوى الغرائز في الإنسان ، لكن الإنسان ليس عبد لنزواته ورغباته ، بل يمتلك وعيا وإرادة وقيما أخلاقية توجه سلوكه .
التركيب:
وتوفيق بين الطرحين يمكن أن نثبت حقيقة مفادها أن الحياة النفسية الإنسانية تبنى على أساسين ، ولعل هذا ما دفع بأحد علماء النفس إلى القول :"إن الحياة النفسية قسمان قسم شعوري واعي يدعى العقل (الشعور) وقسم باطن خفي يدعى باللاشعور".
الخاتمة:
ومجمل القول يمكن أن نعتبر أن وجود الشعور واللاشعور في حياتنا النفسية ليس ضربا من ضروب التناقض ، وإنما هو دليل تكامل، فكل منهما يكمل الآخر، ومع هذا يبقى مجال النفس الإنسانية مجالا خصبا للدراسات ، والأفكار الجديدة ، وقد يثبت لنا المستقبل كشوفات أخرى تستطلع لنا خبايا الحياة النفسية قصد خدمة الإنسان عن طريق السعي لمعالجة مختلف الأمراض النفسية التي تعصف باستقرار الإنسان بغية بناء إنسان بطريقة سوية باعتبار أن الإنسان هو جوهر الحضارة وحينما نبني إنسان فنحن نقيم حضارة راقية.